الــبــحــرين بــخــيــر

Print Friendly, PDF & Email

الــبــحــرين بــخــيــر

بقلم: عدنان أحمد يوسف

الاثنين ٠٩ أبريل ٢٠١٨

لقد درجت منذ عشر سنوات عند نشوب الأزمة الاقتصادية العالمية على كتابة مجموعة مقالات أخذت العنوان نفسه وهو «البحرين بخير»، والتي كنت أبدي فيها دائما تفاؤلي بأداء الاقتصاد البحريني نظرًا إلى قناعتي الراسخة بما يمتلكه هذا الاقتصاد من أساسيات قوية ورأسمال بشري غني، وموارد طبيعية من الغاز والبترول لم تكتشف بعد. وكنت أتلقى في بعض الأحيان ملاحظات من عدد من الزملاء والأصدقاء بأنني متفائل أكثر من اللازم في هذه المقالات، بينما كنت أردد أنا في جلساتي الخاصة مع هؤلاء الزملاء والأصدقاء، وحتى الوفود المصرفية التي ألتقي بها سواء في البحرين أو الخارج، قناعتي تلك.

ويشاء القدر في عام 2007 أن التقي في مؤتمر مع خبير نفطي من الولايات المتحدة في زيارة للبحرين، وأثناء حديثي معه أشار لي إلى أن البحرين لديها مناطق غنية بالبترول والغاز لم تُكتشف بعد. ثم بعد ذلك كان هناك مؤتمر بترولي في البحرين وتعرفت فيه على عدة خبراء نفطيين عالميين أكدوا لي الكلام نفسه. وهذا ما جعلني أتمسك أكثر بقناعتي التي ذكرتها في بداية المقال وحتى خلال الأحداث التي شهدتها البحرين عام 2011، باعتبار أن ذلك يعطي انطباعا جيدا للمستمع، وخاصة الضيوف والوفود الزائرة، عن مستقبل البحرين وقدرتها على مواجهة التحديات التي تواجهها.

واليوم إذ نستقبل الخبر السعيد الذي أعلنه صاحب السمو الملكي ولي العهد باكتشاف كميات كبيرة من النفط الصخري والغاز في منطقة خليج البحرين، فإن هذا سوف يزيدنا استبشارا بمستقبل البحرين الاقتصادي والاجتماعي. وهذا الاكتشاف سوف تكون له مردوداته الاقتصادية والتنموية الكبيرة على المديين المتوسط والطويل. لكن يهمنا كمصرفيين أن نؤكد أن من بين هذه المردودات هو إسهامه في تخفيض كلفة الاقتراض الحكومي من الأسواق الخارجية، كما سوف يمكن الحكومة من العمل على إعادة جدولة ديونها بصورة أكثر مرونة، ما يسهم في تخفيض نسبة المديونية الخارجية، وهي من العوامل الرئيسية التي تنظر إليها وكالات التصنيف الدولية.

إن البحرين بما تمتلكه من خبرة وموارد مصرفية ومالية عريقة جعلتها تتبوأ مكانة إقليمية وعالمية مرموقة لقادرة أن تكرس هذه الخبرة والموارد في تعزيز وتطوير المكتسبات التي أُعلنت على صعيد اكتشاف الكميات الكبيرة من النفط الصخري والغاز، وخاصة أننا نستعد في القطاع المصرفي في المملكة للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المصارف في البحرين العام المقبل 2019، وهذا ما يدفعنا إلى تأكيد أهمية أن يلعب القطاع المصرفي دورا أكبر في تطوير وتعزيز التنمية المستدامة في البحرين. ومن الجدير بالملاحظة أن القطاع المصرفي والمالي كان من بين القطاعات الثلاثة الأولى من حيث معدل النمو الأعلى المسجل في الناتج المحلي الإجمالي للبحرين، حيث بلغ معدل النمو أكثر من 7%، ما حقق مساهمة إجمالية في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 17%. وبلغت القيمة الإجمالية للتسهيلات البنكية الممنوحة للأنشطة الاقتصادية والشخصية 8.4 مليارات دينار بحريني بنهاية سبتمبر 2017، مسجلة ارتفاعا بنسبة 4.8% مقارنة بنهاية شهر سبتمبر 2016.

أما اقتصاديا، وفقا لمجلس التنمية الاقتصادية، فقد حقق القطاع غير النفطي في البحرين نموًّا سنويًّا بنسبة 4.8% في الأشهر التسعة الأولى من 2017، حيث بدا أن هذا القطاع خلال عام 2017 سيتجاوز ما حققه من نسبة نمو في عام 2016 بلغت 4.0%. ويعكس أداء القطاع غير النفطي ما حققه الاقتصاد البحريني من إجمالي نمو وصل إلى معدل 3.6% في الأرباع الثلاثة الأولى من 2017، وهي نسبة أعلى من معدل النمو الاقتصادي في 2016 والتي بلغت 3.2%، وهو ما يجعل من البحرين الاقتصاد الأسرع نموًّا في منطقة الخليج العربي.

ويقود القطاع الخاص النمو في القطاع غير النفطي، وذلك مع ما تشهده المملكة من ترشيد المصروفات، حيث يستند الزخم الإيجابي للقطاع إلى الأداء الجيد في عدد من المجالات منها الفنادق والمطاعم والخدمات الاجتماعية والفردية والمواصلات والاتصالات، والتي حققت نموًّا حقيقيًّا تجاوز 6% خلال الأرباع الثلاثة الأولى من 2017، وهو ما يشير إلى استمرارية التقدم القوي للتنويع الاقتصادي حيث تبلغ مساهمة القطاع غير النفطي أكثر من 80% من الناتج المحلي الإجمالي.

كما تشير التقديرات إلى أن إجمالي المشاريع الاستثمارية قد ارتفعت بنسبة 20% تقريبا في العام الماضي، وذلك بقيادة من المشاريع ذات الأولوية الاستراتيجية التي تبلغ قيمتها 32 مليار دولار ويتم تنفيذها كما هو مخطط لها. وتشمل هذه المشاريع تحديث مطار البحرين الدولي، وتوسعة مصهر شركة ألمنيوم البحرين «ألبا»، وتحديث مصفاة شركة نفط البحرين «بابكو»، حيث تسارعت عملية التنفيذ في عدد من المشاريع وهو ما يُتَوقع استمراره في 2018.

وفي ضوء جميع هذه المؤشرات، نعاود القول إن مسيرة التنمية الاقتصادية في البحرين ماضية نحو التقدم، وهي ليست المرة الأولى التي نشهد فيها مثل هذه الظروف الاقتصادية. وبالرغم من أن جميع الدول التي تعتمد على تصدير النفط مرت بمنعرجات وتقلبات كثيرة، سواء في الثمانينيات أو التسعينيات أو بعد الأزمة العالمية عام 2008 أو في الوقت الراهن، فإن مسيرة البحرين الاقتصادية حافظت على توازنها وديمومتها واستطاعت أن تبني مرتكزات متينة ومشاريع ضخمة للاقتصاد الوطني تحقق له مواصلة الأداء المتنامي والواعد الذي سوف يعززه ويضفي عليه طابع الاستدامة خلال السنوات القليلة القادمة ما تم إعلانه قبل أيام من اكتشافات جديدة للنفط والغاز.

Leave a Reply